مركز “شمس” إخطار جيش الاحتلال بهدم المنازل في مخيمي جنين والجلزون شكل من أشكال العقاب الجماعي ووسيلة للتهجير القسري
مركز “شمس”
إخطار جيش الاحتلال بهدم المنازل في مخيمي جنين والجلزون شكل من أشكال العقاب الجماعي ووسيلة للتهجير القسري
رام الله : أدان مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بإصدار إخطارات لهدم منازل فلسطينية في كل من مخيم جنين ومخيم الجلزون ، في تصعيد خطير ضمن سياسة العقاب الجماعي والهندسة القسرية للسكان.وقال المركز أن هذه الإخطارات، والتي تستهدف منازل مدنيين في بيئة مكتظة تعاني أصلاً من الاكتظاظ والحرمان من أبسط مقومات الحياة، تمثل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني، وترقى إلى جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وقال مركز “شمس” إن سياسة هدم المنازل تُعدّ واحدة من أدوات الاحتلال التي تنتهك بشكل مباشر اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وتحديداً المادة (53) التي تنص صراحة على أنه “يُحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة، منقولة أو ثابتة، تتعلق بأفراد محميين، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي ذلك بصورة حتمية”. وأيضاً نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998 ، حيث يشكل الهدم الواسع النطاق وغير المبرر قانوناً جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية. والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتحديداً المادة (17) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على حماية الأفراد من التدخل التعسفي أو غير القانوني في منازلهم.وبالتالي، فإن إصدار إخطارات بهدم مساكن مدنيين في مخيمات لا تُعتبر مناطق قتال فعلية، ودون وجود ضرورة عسكرية حقيقية، يُعد خرقاً خطيراً للقانون الدولي ومخالفة واضحة لمبدأ التناسب والتمييز الذي يجب أن يراعيه أي طرف في النزاع.
وشدد مركز “شمس” على أن هدم المنازل في مخيمات اللاجئين، مثل جنين والجلزون، لا يُمثّل فقط انتهاكاً قانونياً، بل يشكّل كارثة إنسانية ذات آثار اجتماعية عميقة، من بينها تشريد العائلات، بما في ذلك الأطفال وكبار السن، دون توفير أي بدائل سكنية أو حلول إنسانية، ما يُفاقم من أزمة اللجوء المزمنة التي تعيشها المخيمات الفلسطينية. وإلى تدمير النسيج الاجتماعي، حيث تفقد العائلات روابطها المجتمعية ويُفكك البناء الاجتماعي في بيئة تعاني من أصلاً من التهميش والفقر. وإلى تعميق الصدمات النفسية لدى السكان، خصوصاً الأطفال، نتيجة التهديد الدائم بفقدان المأوى، وما يرافق ذلك من إحساس بعدم الأمان وانعدام الاستقرار.
وأوضح مركز “شمس” أن سياسة هدم البيوت التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، أو في قطاع غزة، تمثل شكلاً صارخاً من سياسة العقاب الجماعي، المحظورة بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. إذ تقوم سلطات الاحتلال بشكل ممنهج بهدم منازل الفلسطينيين، تحت ذرائع واهية تتنافى هذه الممارسات مع المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص صراحة على حظر العقاب الجماعي: “لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً. تحظر العقوبات الجماعية وجميع تدابير التهديد أو الإرهاب.“ ومع ذلك، تواصل سلطات الاحتلال هدم المنازل، مخلفةً بذلك آلاف العائلات بلا مأوى، وملحقةً أضراراً جسيمة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسكان الفلسطينيين، بما في ذلك الحق في السكن الملائم، وحق الأطفال في الأمان والتعليم، وحق الأسر في الحياة الكريمة.وقال المركز أن هذه السياسة لا تستهدف فقط الأفراد المعنيين، بل تسعى إلى تفكيك النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وزرع الخوف والرعب في صفوف المدنيين، ودفعهم قسراً إلى النزوح أو الهجرة، وهو ما يرتقي إلى مستوى التهجير القسري المحظور بموجب القانون الدولي. كما أن هذه الانتهاكات تستخدم كأداة من أدوات السيطرة الاستعمارية، لفرض وقائع ديموغرافية جديدة على الأرض، خصوصاً في القدس والمناطق المصنفة (ج)، بما يخدم مشاريع الضم والتوسع الاستيطاني. إذ أن سياسة هدم البيوت لا يمكن فصلها عن المنظومة الأوسع للسياسات الإسرائيلية الهادفة إلى تهويد الأرض، وتفريغها من سكانها الأصليين، وتقويض حقهم في تقرير المصير.
وقال مركز “شمس” إن سياسة هدم البيوت واستهداف المخيمات الفلسطينية تمثل في جوهرها هجوماً ممنهجاً على مراكز رمزية للصمود الوطني والجمعي، وهي ليست مجرد انتهاك فردي لحق السكن، بل تعكس بعداً سياسياً عميقاً يسعى إلى كسر إرادة السكان وطمس ذاكرتهم الجماعية. فالمخيمات، بما تحمله من رمزية تاريخية باعتبارها شاهداً حياً على جريمة التهجير القسري التي تعرض لها الشعب الفلسطيني عام 1948، تشكل فضاءً للمقاومة الاجتماعية والسياسية، وتجسد التمسك بحق العودة ورفض مشاريع التوطين والتصفية. ومن هذا المنظور، تتعمد سلطات الاحتلال استهداف بيوت المخيمات، كجزء من سياسة العقاب الجماعي الهادفة إلى تفكيك المخيم كمجتمع سياسي مقاوم، ونزع رمزيته كمعقل من معاقل الصمود الفلسطيني.لذلك فإن هدم بيت في المخيم هو محاولة متعمدة لهدم المعنويات، ورسالة ترهيب موجهة إلى عموم المواطنين، مفادها أن كلفة التشبث بالحق والهوية ستكون باهظة.
وشدد مركز “شمس” أن استهداف المخيمات الفلسطينية من قِبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن فصله عن المسار الأوسع الذي تنتهجه دولة الاحتلال في السنوات الأخيرة، والمتمثل في محاولة تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل تدريجي. ويأتي هذا الاستهداف في سياق سياسة واضحة وممنهجة تشمل أيضاً محاولات النيل من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تشكل المرجع الأممي الوحيد المعني بتقديم الدعم الإنساني والاجتماعي للاجئين الفلسطينيين، وتمثل كذلك شاهداً قانونياً وسياسياً على استمرار معاناة اللاجئين وحقهم غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم الأصلية.
وقال مركز “شمس” أن المخيمات الفلسطينية ليست مجرد تجمعات سكنية هامشية، بل هي مراكز رمزية للصمود الوطني، وتجسد الهوية الجمعية للاجئين الفلسطينيين وارتباطهم التاريخي والجغرافي بحق العودة. لذا فإن استهداف هذه المخيمات — عبر سياسات هدم المنازل، والاقتحامات المتكررة، والاعتداءات العسكرية الممنهجة، والإهمال المتعمد في البنية التحتية والخدمات — إنما هو محاولة مقصودة لطمس هذا الرمز الجمعي، ولضرب الرواية الفلسطينية حول جريمة النكبة والتهجير القسري، تمهيداً لإعادة تعريف قضية اللاجئين وتحويلها من قضية سياسية وحقوقية إلى مجرد ملف إنساني قابل للتصفية.
وأكد المركز أن هذه المحاولات تتكامل مع الحملة المسعورة التي تشنها دولة الاحتلال على وكالة الأونروا، عبر الضغط السياسي والمالي على الدول المانحة لدفعها إلى تقليص أو وقف تمويل الوكالة، وإطلاق حملات دعائية تستهدف نزاهتها ومهنيتها. إن الهدف الحقيقي من هذه الحملة هو تفكيك الأونروا كشاهد قانوني ودولي على استمرار قضية اللاجئين، وتحويل اللاجئين الفلسطينيين إلى مجرد “مواطنين مقيمين” في دول اللجوء، فاقدين للهوية السياسية ولحقهم في العودة الذي نص عليه القرار الأممي رقم (194)، والذي لا يزال يشكل المرجعية القانونية الدولية لهذا الحق. ولذلك فإن مسار استهداف الأونروا وتصفية المخيمات يعكس هجمة إستراتيجية شاملة تسعى إلى إغلاق ملف اللاجئين الفلسطينيين على قاعدة الحلول “الإنسانية” البديلة، كالتوطين أو التعويض، في تجاهل صارخ لحقوق اللاجئين الفردية والجماعية. وهذا المسار يتعارض بشكل مباشر مع القانون الدولي، ومع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، ومع حق العودة الذي لا يسقط بالتقادم ولا يجوز التنازل عنه.
ودعا مركز “شمس” في بيانه الصحفي إلى ضرورة تفعيل الحراك الحقوقي والدبلوماسي الدولي لوقف محاولات استهداف الأونروا والمخيمات. وإلى حشد الدعم السياسي والمالي للأونروا لضمان استمرار دورها وفقاً لتفويضها الأممي. وإلى التمسك برمزية المخيمات الفلسطينية باعتبارها جزءاً من الذاكرة الوطنية وركيزة أساسية في معركة الدفاع عن حق العودة. وإلى رفض أي حلول التفافية أو قسرية تهدف إلى شطب قضية اللاجئين أو إعادة تعريفها بما يخدم مشاريع الاحتلال.وإلى دعوة الدول الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف إلى ممارسة واجباتها القانونية والأخلاقية لمنع استمرار هذه الانتهاكات. وإلى الضغط على سلطات الاحتلال لوقف جميع إخطارات الهدم فوراً، والامتناع عن اتخاذ أي خطوات تؤدي إلى الإخلاء القسري والتشريد. وإلى ضرورة تفعيل كافة الآليات الوطنية والإقليمية والدولية لحماية حقوق الشعب الفلسطيني، وضمان مساءلة دولة الاحتلال عن جرائمها المتواصلة، وفي مقدمتها استهداف اللاجئين ومحاولات تصفية قضيتهم العادلة. وإلى اتخاذ خطوات عملية وملموسة لوقف الانتهاكات الجسيمة، وتعزيز صمود اللاجئين الفلسطينيين في وجه السياسات الإسرائيلية الرامية إلى طمس هويتهم الوطنية وحقوقهم التاريخية غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حق العودة .
إرسال التعليق