وأبويا طلع هو الشيطان
وأبويا طلع هو الشيطان
كان إلي خال مغترب بالخليج من سنين، وإحنا صغار كنا بنستناه كأنه جاي من بلاد العجايب. خالي هادا كان بينه وبين أبوي مشاكل من أيام الطفولة،
وكل ما نحكي نسمع إنه ما بيحكوش مع بعض. بس بعد سنين، قرر ينزل على البلد وقال خليني أصلّح اللي انكسر.
جاي حامل شنطة كبيرة، لونها أسود، ومعباية هدايا. أول ما دخل البيت، عيونه لفت، سلم ع الكل ببرود، وبعدين ناداني:
ـ “تعال يا أحمد، خد هالشنطة إلك.”
أنا بصراحة قلبي طار، فتحتها ولقيت فيها برفان ريحتو بتجنن، ساعة شكلها فخم، شامبو أصفر شفاف،
وكمان شوية شغلات نسيتهم من الفرحة. حسّيت حالي كأنهم جابولي هدية من كوكب تاني، وانا بعمر تانية ابتدائي.
لبست الساعة، حطيت من البرفان، شمّيت ريحتي، نطّيت ع التخت ونمت وأنا مبسوط ع الآخر.
بس قبل ما أنام، أمي دخلت عليّ وقالتلي:
ـ “صلّيت العشا ولا لأ؟ إوعى تنام بدون صلاة، الشيطان بلف بالليل، وبيشم ريحة البني آدم اللي ما صلى.”
خفت، قمت صليت بسرعة وأنا بارتجف. بس شكلها ما انقبلتش مني!
الصبح، بصحى بدي ألبس ساعتي وأشم البرفان، ما لقيتش إشي!
قلّبت السرير، فرشت الشنطة، ناديت أمي، ما في!
دخلت الحمام، بشوف الشامبو محطوط ع جنب البانيو.
بسأل أمي: “مين اللي حط الشامبو هون؟”
بترد بكل هدوء:
ـ “أكيد الشيطان لف عليك بالليل وخد الهدايا، وحط الشامبو بالحمام، لأنه الحمام بيته.”
ـ “يعني الشيطان سرقني؟!”
ـ “آه، وما هو ريحته بشعة، فأكيد أخد البرفان يتعطر، والساعة لبسها.. وهيك ضيعلك الهدايا.”
من يومها، صرت أراقب أبوي.
ما كانش بيسمّي قبل الأكل.
بقعد كتير بالحمام.
ما بيصلي إلا ساكت.
وصار الشك يآكل فيّي أكل.
يوم وأنا بلعب بالحارة، قررت أروح عند الشيخ سيد، اللي بعلّمنا قرآن بالمسجد. سألته بخوف:
ـ “شيخ، في ناس ممكن يكونوا شياطين؟”
قالي:
ـ “آه، ربنا قال فيه شياطين الإنس والجن.”
أنا هون اتأكدت.
رجعت البيت وعيني مش بتفارق أبوي. صرت أحسب كم دقيقة بقعد بالحمام.
مرة حكيت لأمي:
ـ “ليش أبوي بيطول بالحمام؟”
ـ “أبوك باله طويل.”
بس أنا بعيني كنت شايف… إنه نايم ببيته الحقيقي هناك!
وبعد شهور، وأنا بفتّش على دفتر، بلاقي الساعة والبرفان مخبيين بدرج أبوي.
صابتني رجفة!
ـ “هو!! هو اللي أخدهم!!”
ـ “طب ليش؟!”
ـ “ليش كذبوا علي؟!”
صمتت، وقررت أكتمها جواتي.
بس الحظ العاثر لاحقني.
يوم بالمدرسة، الشيخ شرح آية عن “الكفار”، وقال الكافر هون يعني “الفلاح” لأنه بيغطي البذرة بالتراب.
أنا رحت قلت لواحد صاحبي أبوه فلاح:
ـ “يا ابن الكافر!”
وعملت مصيبة، والكل عيّرني، وبتهموني إني بشتم، وأنا كنت مفكّر إني بحكي صح.
بس هاد الولد، أحمد، بعدين صرت أحكيله قصتي، كيف خالي جابلي شنطة، وكيف الشيطان سرقها، وكيف أبويا هو الشيطان!
ضحك وقال:
ـ “يعني أنا ابن كافر، وإنت ابن الشيطان؟ خلينا صحاب، إحنا متساويين.”
صرنا أصدقاء زمان، وصرنا نلعب ونضحك، وكل واحد بيحاول ينسى همّه بضحكة التاني.
بس يوم بحصة الدين، الأبلة أمل حكت قصة سيدنا إبراهيم، وقالت إنه أبوه كافر بس سيدنا إبراهيم كان مؤمن.
الولد أحمد سألها:
ـ “واللي أبوه شيطان؟ بدخل الجنة؟”
قالتله:
ـ “لا، الشيطان وولاده في النار!”
بصلي بنظرة كأنها سكين، وقاللي:
ـ “أنا رايح عالجنة، وإنت؟ خليك عند أبوك!”
ومن يومها، قاطعني.
كبرت وأنا شايل السالفة بقلبي، وكل ما حدا يسألني:
ـ “ليش مش بتتجوز؟ ليش لحالك؟”
أضحك واقول:
ـ “إنتو مش فاهمين… أنا كنت فاكر أبوي هو الشيطان. وتفكيري عمره ما عاد زي الأول من وقتها.”
وأبويا طلع هو الشيطان
إرسال التعليق